مراتب القدر أربع:
أولاً: العلم: وهو أن نؤمن بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليم بكل شيء ما كَانَ وما سيكون أزلاً وأبداً.
وثانياً: الكتابة وهي: أن نؤمن بأن الله كتب كل شيء وفق ما علم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلم يبدأ الجدال في إنكار علم الله ولا في إنكار الكتابة؛ لكن وقع الخلاف والجدال في المرتبتين الأخيرتين اللتين يمكن أن نجعلهما مرتبة واحدة، وهي المشيئة والخلق، ثُمَّ تطور الأمر بعد ذلك إِلَى أن وجد من ينكر المرتبة الأولى ثُمَّ الثانية، وهذا الإنكار وجد عند الجاهلية، فقد ثبت في صحيح مسلم أن الْمُشْرِكِينَ جاءوا يجادلون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القدر فأنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)) [القمر:49، 50].

ولما أراد علماء السلف -رضوان الله عليهم- أن يرسموا لنا الطريق الصحيح لمناظرة هَؤُلاءِ ولإفحامهم، أمرونا أن نناظرهم بالعلم، لنردهم إِلَى الأمر الأول الذي لا خلاف فيه بين جميع العقلاء، وهو أن الله بكل شيء عليم.
وهذا هو موضوع المرتبة الأولى الذي بدأ به المُصنِّف رحمه الله تعالى هنا، وقال الإمام الشَّافِعِيّ والإمام أَحْمَد وغيرهما: ''ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خصموا وأقيمت الحجة عليهم''.
أي أن الله تَعَالَى يعلم ما كَانَ وما سيكون؛ لأن الإِنسَان إذا أقر بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكل شيء عليم وأقر بأفعال العباد خيرها وشرها.
فيقال: آمن بأن الله كتبها، فما الفرق بين العلم والكتابة؟ لهذا يمكن أن نجعلهما مرتبة واحدة.
فإذا قال: أنا لا أؤمن بالمشيئة.
فنقول: أمرٌ علمه وكتبه ما المانع أن يشاءه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ إذاً: علمه وكتبه وشاءه.
فَيَقُولُ: نعم شاءه.
فنقول: أمرٌ علمه وكتبه وشاءه خلقه وأوجده، فلم يبق معه حجة فغلب وأفحم.
لكن إذا قال: الأمر مستأنف، فكل ما وقع في الكون هو جديد لم يكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلمه والعياذ بالله.
فنقول: كفرت؛ لأن من أنكر علم الله كفر، فلا نكون كفرناهم بالأمر الذي فيه شبهة أو إشكال، لأن الأمور المشتبهة لا يكفر بها، بل يكفر بالأمور الواضحة الجلية.